صقرالانبار عضو مميز
عدد المشاركات : 82 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 07/03/2012
| موضوع: منهج المتطرفون والخوارج وسيرتهم السبت أبريل 21 2012, 20:29 | |
|
منهج المتطرفون والخوارج وسيرتهم
واما منهجهم المنحرف فهو التهور والعنف في توصيل فهمهم الى الناس ، ويتعجلون في الحكم على كل مسائل الدين، ولا يحسنون النقاش حتى يصل احدهم الى الحق ، بل وصل بهم الغرور على انهم يثقون في عقولهم ورأيهم حتى يردون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا لم توافق هواهم ، كما ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى : ( فان الخوارج ينتحلون اتباع القرآن بآرائهم ويدعون السنن التي يزعمون انها تخالف القرآن) ج 28ص491.
بل ويختارون من المعاني ما يناسب الموقف الذي يريدونه ، لذا يفهمون القرآن على هواهم فسماهم سلف الامة ، باهل الاهواء ، لاشتهارهم باتباع الهوى والرأي، كما يرون انهم هم المؤهلين لتقويم حكام المسلمين بالقوة ويدّعون الجراءة في مواجهتهم ، وهم من النوع المغرور الذي يحب الظهور والشهرة، ونفوسهم شريرة ترغب في البغي والاعتداء ، ولا تجد عندهم الرحمة حتى على كبار السن ، وعلامتهم القسوة حتى في النصيحة لا يقدمونها بطريقة لينة وانما يهمهم التشهير وان يراهم الناس ينصحون الاخرين ، ودائما يقولون لخصمهم عليك بالتوبة والرجوع ، وكانهم هم المستقيمون الذين يجب ان يقتدى بهم ويكون الناس مثلهم ، ويندفعون في كل امر حتى يتجاوزون الحد المقصود ويتركون الدين وراءهم، بل يخرجون من الدين في حقيقة الامر، وان كانوا يظنون انهم عليه كما سياتي بيانه ، وقد جعلوا لانفسهم منهجا جديدا قائما على العنف.
وقد فاضت السنة والاثار بالحديث عن هؤلاء الادعياء في عقيدتهم ومنهجهم وصفاتهم ، بما يشملهم سواء الخوارج الاوائل او من كان في معناهم من بعدهم من المتطرفين.
جاء في صحيح البخاري.
عن ابي سعيد قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال ، اعدل يا رسول الله فقال : ويحك ومن يعدل اذا لم اعدل ؟ قال عمر بن الخطاب : دعني اضرب عنقه قال : دعه فان له اصحابا يحقر احدكم صلاتكم مع صلاتهم وصومكم مع صومه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في قدذه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر الى رصافه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر الى نقيه فلا يوجد فيه شئ قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل احدى يديه او قال ثديه مثل ثدي المرأة او قال مثل البصمة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس . قال ابو سعيد اشهد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، واشهد ان علي قتلهم وانا معه جيئ بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم . .الخ الحديث) .
وهذا يتضمن امور عديدة منها الخروج من الدين لاصحاب هذه الصفات ، وفيه تنبيه حتى لا ننخدع بمظهرهم الديني وشعاراتهم ، فانهم يحسنون ذلك وقراءة القرآن لكن لا ينفعهم مع فعلهم السيئ ، كما في الحديث الذي يليه.
في البخاري ايضا عن يسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئا ، قال سمعته يقول : وأهوى بيده قبل العراق : يخرج من منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية.
وهذا لظهور اولهم في حروراء في العراق
وشبه خروجهم من الدين كمروق السهم من الرمية بعد ان اصابها السهم وخرج من الناحية الاخرى ولسرعة عبوره وقوة اندفاعه لم يبقى عليه اثر دم او فرث ، وهكذا الخوارج وامثالهم من المتطرفين ، يخرجون من الدين دون ان تظهر عليهم سماحة الدين او آثاره ، من شدة اندفاعهم وتهورهم.
وروي الامام احمد عن عامر بن عبد الله بن لحي قال : حججنا مع معاوية ابن ابي سفيان فلما قدمنا عليه قام حين صلى الظهر فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ان اهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وان هذه الامة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة ، يعني الاهواء كلها في النار الا واحدة وهي الجماعة وانه سيخرج في امتي اقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل الا دخله والله يا معشر العرب لان لم تقوموا بما جاء به نبيكم ص لغيركم من الناس أحرى ان لا يقوم به. وقوله ( يتجارى الكلب بصاحبه ) ، أي داء الكلب وهو السعر والبحث عن من يعضه.
وفي رواية النسائي في آخرها : ثم قال : يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال فاذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة.
وفيه بعض صفاتهم انهم يحلقون رؤوسهم دلالة منهم على التكلف في الزهد والادعاء بذلك ، وفيه تأكيده لخروجهم في كل زمان حتى عهد الدجال الذي لم يأتي بعد ، مما يفيد إمكانية ظهورهم الان ، وفيه ايضا الدعوة لقتلهم ، وهذا يكون من قبل حكام المسلمين كما سيأتي.
وروى أبي داود عن ابي سعيد الخدري وانس بن مالك رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون في امتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون الى كتاب الله وليسوا منه في شئ ، من قاتلهم كان اولى بالله منهم ،قالوا يا رسول الله ما سيماهم ؟ قال التحليق . وفي رواية عن انس : سيماهم التحليق والتسبيد فاذا رأيتموهم فانيموهم .
أي اقتلوهم واطرحوهم أرضا ولا تتركوهم وقوفا بينكم.
وفيه ان الحاكم المسلم الذي يقاتلهم ومن معه هم اقرب الى الله من هؤلاء الأدعياء ، ويريد بذلك تأكيد ان لا ننخدع بادعاءاتهم في الدين ، فالمنافق وغيره يمكن ان يحفظ القرآن ولكن الصدق في العمل واخلاص النية.
جاء في الحديث الذي يرويه ابي داود عن زيد بن عميرة " وكان من اصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه انه قال : كان لا يجلس مجلسا للذكر الا قال حين يجلس : الله حكم قسط هلك المرتابون ، فقال معاذ بن جبل يوما : ان وراءكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل والمرأة والعبد والحر والصغير والكبير ، فيوشك قائل ان يقول مال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ وما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره فاياكم وما ابتدع فانما ابتدع ضلالة واحذركم زيغة الحكيم فان الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق ، قال : قلت لمعاذ ، وما تدري رحمه الله ان الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وان المنافق يقول كلمة الحق ؟ قال :بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال ما هذه ؟ ولا يثنيك ذلك عنه، فانه لعله يراجع وتلق الحق اذا سمعته فان على الحق نورا.
ان اول الخوارج والمتطرفين ظهورا كجماعة كانوا يعرفون بكثرة التدين والورع وقراءة القرآن حتى انه كان : يقال لهم القراء لاشتهارهم بقراءة القرآن وتجويده، كما ذكر ابن حجر في الفتح .
وكما اخرج النسائي : لهم دوي كدويي النحل من قراءة القرآن.
وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء . وهم ما بين أربعة الى ستة وقيل ثمانية آلاف . خرجوا على امير المؤمنين علي رضي الله عنه في حروراء ، وبعد المناظرة ورجعوا مع علي الى الكوفة أشاعوا انه تاب من الحكومة . (وهذا أسلوبهم حتى اليوم بالدعاية والشائعات بالكذب ضد من خالفهم ، ويعنون تاب من الحكومة أي قبوله لتحكيم رجلين في الخلاف مع معاوية رضي الله عنهم اجمعين) ، فلما بلغ ذلك عليا فخطب وانكر ذلك ، فتنادون من جوانب المسجد : لا حكم الا لله ، ( وهذا ايضا من صفات الخوارج نجدها اليوم في المتطرفين ، الهتاف في المسجد والتكبير ضد من خالفهم او تأييدا لمن وافقهم وهو من التكلف والادعاء ) ، فقال كلمة حق اريد بها باطل ، فقال لهم علي كما يذكر ذلك ابن حجر في الفتح ص 284 ، : فقال لهم ( أي علي ض) : لكم علينا ان لا نمنعكم من المساجد ولا من رزقكم من الفيء ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا . ( وهذا في بادئ الامر ثم رجعوا معه) فخرجوا شيئا بعد شئ ( أي كما يتسلل المتطرفون اليوم ويهربون الى الادغال والجبال واوكار الارهاب ) الى ان اجتمعوا بالمدائن ، فراسلهم في الرجوع فاصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب ( أي حتى يكفر علي نفسه ليوافقهم على فكرهم في التكفير) ثم راسلهم ايضا فارادوا قتل رسوله ثم اجتمعوا على ان من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله واهله ( اليس هذا فعل المتطرفين اليوم ) وانتقلوا الى الفعل فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتازهم ، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الارت ، وكان واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية ( أي خادمة مملوكة) وكانت حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد ،( لان فهم الخاظئ حتى الطفل في بطن امه عندهم هو كافر مع ابيه ) فبلغ عليا فخرج اليهم الجيش الذي كان مهيأ للخروج الى الشام فأوقع بهم النهروان ( موقعة النهروان التي قتلهم فيها قبل عبور النهر ) ولم ينج منهم دون العشرة ولا قتل ممن معه الا نحو العشرة. انتهى
( جاء في اثر اخر انه نجا منهم تسعة وهم كانوا اربعة آلاف، وقتل من اصحاب علي تسعة ) .
وفي ذلك تواترت الروايات وفي كل منها زيادة توضح جانب آخر من الموضوع. منها
اخرج النسائي والطبراني في الاوسط من طريق ابي السائفة عن جندب ابي عبد الله البجلي قال : لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم فانتهينا الى عسكرهم فاذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن واذا فيهم اصحاب البرانس أي الدين كانوا معروفين بالزهد والعبادة قال فدخلني في ذلك شدة ، ( يجب ان نقارن ذلك مع ادعياء اليوم لنتاكد ان مظهر الدين لا يفيد اذا كانوا على ضلال في المنهج ، كما يبين ان البعض الطيب يكاد لا يصدق ان هؤلاء المتدينين على باطل حتى يشك في موقف من يخالفهم لعله مخطئ ، ونتابع كلام الصحابة وتابعيهم) ، فنزلت من فرسي وقمت اصلي فقلت : اللهم ان كان في قتال هؤلاء القوم لك طاعة فاذن لي فيه ( أي ان كان هؤلاء الذين يتلون القرآن على ضلال وقتلهم فيه خير اذهب عني التردد والشك في جواز قتالهم) فمر بي علي فقال لما حازاني تعوذ بالله من الشك يا جندب ( أي احس علي بتردد صاحبه لما رأى مظهر الخوارج الذين كان يعرفهم من سابق بالدين والعبادة والزهد ، هذا كالذين انخدعوا في بن لادن يقولون ترك اموال والده في حين هو يخوض في دماء الابرياء واموالهم ايضا) ، فلما جئته اقبل رجل على برذون يقول ان كان لك بالقوم حاجة فانهم قد قطعوا النهر ، قال ( أي علي ) ما قطعوا ثم جاء آخر كذلك ( أي رجل يقول مثل صاحبه ان الخوارج قطعوا النهر فالحق بهم ) ثم جاء آخر كذلك ، قال ( أي علي) : ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن من دونه عهد من الله ورسوله قلت الله اكبر ( أي ادرك جندب ان عليا عنده حديث من النبي ص يبين انهم سيقتلون قبل عبور النهر ، لذلك لم يصدّق علي كل الاخبار التي تقول انهم قد عبروا النهر لثـقته في حديث النبي ص ولان اولئك الرجال ينظرون من بعيد للخوارج وهم يحاولون عبور النهر فاشبه حالهم بانهم شرعوا في العبور ولكن اكتشفوا ان عليا عنده احاديث تبين ان اصحاب هذه الصفات هم اول الخوارج المعنيين وسيقتلون ) ثم ركبنا فسايرته ( أي قربت فرسي من فرسه وسرت بجانبه) فقال لي : سابعث اليهم رجلا يقرأ المصحف يدعوهم الى كتاب الله وسنة نبيهم ( ليثبت لهم ادعاءهم تحكيم الكتاب والسنة فانهم لا يقبلون ذلك اذا كانت النصوص ضدهم وذلك لهواهم وتعصبهم ) ، فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ولا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة ، ( وهذا ليؤكد علي لصاحبه ان الحديث النبوي بين له هذه المسائل وسترى منها ما سيكون بعد قليل اخبرك به قبل وقوعه وحتى عدد القتلى ، لتزداد يقينا وان ذلك من خبر رسول ص وليس من عندي ) قال فانتهينا الى القوم فارسل اليهم رجلا فرماه انسان فاقبل علينا بوجهه فقعد ( أي حدث كما قال علي) وقال علي : دونكم القوم فما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة . انتهى وفي اخره يخبر عن ان الحال كان كما قال علي رضي الله عنه .
وقد كان علي بيّن لاصحابه مبررات الخروج لقتال الخوارج، كما في الاثر.
اخرج ابي داود ، عن سلمة بن كهيل قال : اخبرني زيد بن وهب الجهني انه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه السلام الذين ساروا الى الخوارج فقال علي عليه السلام : اين الناس : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج قوم من امتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم الى قراءتهم شيئا ولا صلاتكم الى صلاتهم شيئا ولا صيامكم الى صيامهم شيئا يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش يصيبونهم ما خفي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل ( أي لتركوا ان يزدادوا من العبادة ، كأن ذلك يكفي لدخولهم الجنة ) وآية ذلك ان فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع ( وهذه من علامات النبوة وتاكيد لقتل هؤلاء الخوارج الذين منهم هذا الشخص ) على عضده مثل حلمة الثدي عيه شعرات بيض ، افتذهبوا الى معاوية واهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم واموالكم ؟ ( وهذا فيه تفضيل لقتل الخوارج والمتطرفين على غيرهم وان قتالهم اولى خاصة انهم سيضلون ذراريكم) والله اني لا ارجو ان يكونوا هؤلاء القوم فانهم قد سفكوا الدم الحرام ( وهذا اشبه بالمتطرفين الذين يقتلون من خالفهم بالتفجيرات وغيرها في الاماكن العامة والمواصلات والاسواق وغيرها ) وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله قال سلمة فنزلني زيد منزلا منزلا حتى مرينا على قنطرة فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسي (أي قائدهم في هذه الواقعة) فقال سلوا السيوف من جفونها فاني اخاف ان يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء ( وهذا من تعصبهم واصرارهم على القتال فهم لا يريدون فرصة للمناقشة) قال فوحشوا برماحهم ( أي ابعدوها والقوها ) واستلوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم قال وقتلوا بعضهم على بعض ، .. الخ) الحديث طويل.
وقد جاء في الاثار ما يوضح خطأ منهجهم وتكلفهم في امور يتظاهرون بها ويراءون ويدعون الورع ، في حين يتساهلون فيما هو اكبر من المعاصي ، يقتل احدهم النفس التي حرم الله ويدعي انه يخاف الله في تمرة ساقطة على الارض .
كما جاء فيما اخرجه ابن ابي شيبة في المصنف عن زيد بن هرون الواسطي قال حدثنا سليمان التميمي عن ابي مجلز قال : نهى علي اصحابه ان يسطوا على الخوارج حتى يحدثوا حدثا ، فمروا بعبد الله بن خباب فأخذوه فمر بعضهم على تمرة ساقطة من نخلة فاخذها فالقاها في فيه ، فقال بعضهم : تمرة معاهد ، فبم استحللتها ؟ فالقاها من فيه ، ثم مروا على خنزير فنفخه بعضهم بسيفه ، فقال بعضهم خنزير معاهد فبم استحللته؟ فقال : عبد الله الا أدلكم على ما هو اعظم حرمة من هذا ؟ قالوا نعم قال : انا ، فقدموه فضربوا عنقه ، فارسل اليهم علي ان افيدونا بقاتل بعبد الله بن خباب ، فارسلوا اليه ، كيف نفيدك وكلنا قتله ، قال : اوكلكم قتله؟ قالوا نعم فقال : الله اكبر ، ثم امر اصحابه ان يسطوا عليهم قال : والله لا يقتل منكم عشرة ولا يفلت منهم عشرة قال : فقتلوهم فقال : اطلبوا فيهم ذا الثدي فطلبوه فاتي به فقال : من يعرفه فلم يجدوا احدا يعرفه الا رجلا قال : انا رأيته بالنجف فقلت له اين تريد قال هذه ، واشار الى الكوفة، وما لي بها معرفة ، قال: فقال علي : صدق هو من الجان ، انتهى حديث 37882/7.
أي هو ليس من اهل المنطقة حقيقة ولكنه شيطان خرج في صورة ادمي ليحرضهم على القتل كما فعل الشيطان حينما خرج مع اهل مكة في صورة دحي الكلبي كما هو مشهور في السيرة ، وعلي ض قال ذلك من اخبار النبي ص له .
ويأخذ من الاثر عدة فوائد منها شاهدنا الادعاء منهم والتكلف في امر عادي ويفعلون الكبائر وهم فرحون ، وذلك كما روي ان رجلا سال ابن عباس في الحج ، هل علي شئ ان قتلت البعوض ، فاحس ابن عباس انه من المتكلفين فقال : من اين انت قال : من العراق : فقال : يا اهل العراق ما اتقيتم الله في دم الحسين وتسالون عن دم البعوض.
وذكر ابن حجر عن تظاهرهم وتنطعهم ما جاء في 283/12 : وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة ، الا انهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك . انتهى.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتابع مثل هذه الظواهر في التكلف ، فمرة سمع رجلا ينبه لتمرة ساقطة على الارض ، يقول تمرة تمرة (أي من سقطت منه تمرة ) فقال عمر : كلها ايها الورع الكاذب. لان الشي القليل وليس ثمين وما يعرف ( باللقطة) لا ينبه له ، لانه لا يضر بصاحبه ولا يظن انه يبحث عنه. ومرة راى في الصلاة رجلا يرخي رقبته كثيرا وكانه شديد الخشوع ، فقال عمر رضي الله عنه : يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك فان الخشوع في القلب.
وايضا يأخذ من ذلك الاثر ، انهم تستروا على القاتل وحموه ودافعوا عنه كما يفعل بعض من يساندون التطرف في هذا الزمان ويؤوونه حتى اضطر الناس لقتالهم جميعا فكانوا بذلك الإيواء وبالا على قومهم لانهم آووا محدثا ، وجعلوا بلادهم وكرا للخوارج والبغاة الظالمين ، ويجب على حكام المسلمين ان يلاحقوا كل من يأوي الارهاب والمتطرفين سواء كانوا جماعة او حكومة لان ذلك يضر بالجميع وسياتي لذلك ذكر اخر.
وايضا من منهج المتطرفين المنحرف : انهم يعلنون الجهاد من جانبهم من غير حاكم مسلم ولا اجماع او غالبية من العلماء ، واحيانا مع حاكم متطرف منهم يعلن الجهاد بغير وجه شرعي بل لامور تساند فكره المتطرف على غيره من الناس.
فيجب على اهل العلم والحل والعقد تقيم امره ، وعلى حكام المسلمين من حوله عمل ما هو مناسب لمواجهته لحماية المسلمين من ظلمه .
اما عن ما يفعله المتطرفون من اعلان الجهاد، فان الجهاد واقامة الحدود واخذ الزكاة بالقوة لا يكون الا من الحاكم ، واما عامة المسلمين عليهم الانكار فقط او بيده داخل بيته دون الحدود.
فالجهاد له احكام كالصلاة والصيام وليس لكل شخص ان يعلنه على رايه او على خصمه بهواه ، واي قتال يخرج به الناس على غيرهم وان كان الاخرين على خطاء فلا يكون شرعي حتى يكون تحت راية سلطان قال تعالى : ( واذا استنفرتم فانفروا ) أي اذا طلب منكم والمراد به طلب السلطان، ويجب ان يعرف ان للجهاد فقه واسع ولابد ان يعلم:
من يقاتل ، ولماذا يقاتل ، وعلى أي شئ يقاتل ، ومتى يقاتل، وكيف يقاتل.
ويجب ان يكون كل ذلك وفق تعاليم الدين ، علما بان ما يفعل ادعياء الجهاد في عصرنا هذا هو من التهور وتصفية حسابات خاصة وليس له مشروعية وان كان العدو كافر ، وذلك ليس للدفاع عن كافر ولكن لان الجهاد ومن يجاهدون لم يستوفوا الشروط الشرعية .
اذ انه حتى ضد الكفار له موازانات وضوابط واذا كان ياتي بضرر على عامة المسلمين وتشريدهم بدلا من الاستقرار وترويعهم بدلا من الامان ، فلم يكن شرعيا اذ ان حماية المسلمين الموجودين اولى من طلب اسلام الجدد ، بل ان الله تعالى منع رسوله ص من حرب اهل مكة ايام الحديبة لعلمه ان هناك تسعة مسلمين (سبعة رجال وامرتان ) حتى لا يصابون والناس لا يعرفونهم قال تعالى في سورة الفتح بعد ان اكد كفر الخصوم وظلمهم للمسلمين وردهم لهم ومنعهم من الاداء العمرة حتى منعوا الهدي ان يذبح في مكة فبين تعالى ان ذلك كله لم يكن مبرر لاصابة ألئك المجهولين ، فقال تعالى : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا ان يبلغ محله ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما) 25 الفتح.
علما بان حرية الدعوة اليوم مكفولة ولم تكن هناك حاجة للقتال لاجل الإسلام ، خاصة ألأقليات المسلمة في البلاد الغير اسلامية ولكن لها حرية في دينها وعقيدتها فليس من الصواب اثارة الاخرين بدعوى الانفصال لاقامة دولة اسلامية ، في حين من يقوم بذلك هو من اجهلهم بقواعد الدين ، فقط يتظاهر باللحية الطويلة ويريد ان يحكم الاخرين.
ان اثارة الحروب غير المتكافئة لا مصلحة للمسلمين فيها، وعليهم تعليم الناس عقيدتهم ، وبالأكثر ان وجدوا المناخ صالح يطالبون بحرية في تنفيذ قوانينهم الاسلامية داخل الدولة القائمة والمهيأة لذلك ، لان محاولة الاستقلال تدفع بالاخرين لمحاربتهم لاجل منع الانفصال وليس لمنع الإسلام ، فصارت محاولة الانفصال هي سبب التنكيل بالمسلمين وليس مجرد الإسلام ، في حين انهم لا يحظرون الإسلام كدين ، فهؤلاء المتهورون صنعوا للاسلام والمسلمين عداوات وحروب كانوا في غنى عنها ، فيجب دعوة الناس لتوصيل الدين اليهم ، وان يعكسون الصورة الطيبة ، لكن كثير ممن يعلون الجهاد هم جعلوا ذلك شركات استثمارية ، باسم الجهاد تجمع الاموال ويقتل المساكين فيقولون : انظروا الى جهادنا اين انتم ايها المسلمون ونحن نقتل؟
فينظر الناس للنتاج الاخير الذي أثاروه هم ، فتجمع الاموال، وتهدر الدماء ، وتحمى المصالح الشخصية، وتهمل الرعية ، ويذهب الشعب المسكين الى المحارق والمهالك باسم الدين ، واحسنهم هائمون مشردين ، واما القادة المجاهدون تعرف في وجوههم نضرة النعيم .
ان اي حرب باسم الإسلام عامة ، او لحماية الإسلام كدين ، لا تكون الا بعد ان تقرها المؤسسات الرسمية التي تمثل حكام المسلين عموما وعلماء الامة ، لان امر الإسلام امر للجميع وما يخص العامة لا يحق للخاصة ان ينفردوا به وما هو من شان الحكام لا يحق للعوام فعله.
واما المؤسسات الرسمية في عصرنا اما ان تكون منظمة المؤتمر الاسلامي حسب النظم الحالية ، او رابطة العالم الاسلامي فهم من يمثل الامر العام لمسلمين، ولكل بلد فيما يخصه هو صلاحياته الخاصة اما امر العامة ليس لمتهور ان يعلن حرب ضد جهة بتهوره ولمصالح افراده ثم ياتي ويصرخ في المسلمين ادركوني وساعدوني .
ان أي حرب صنعتها جهة ابتداء منفردة يجب ان لا تعاون عليها لان عامة المسلمين لم يكونوا قد اقروا ذلك ولم يعدوا له عدة وانما هو تهور من البعض فهم الذين يدفعون الثمن وليس الشعوب البريئة ، وبهذا نتحاشى كثير من الحروب السياسية التي يكسوها البعض ثوب الدين ليجد عون المسلمين ، ويبدد اموالهم التي كانت تساهم في الاعمار وعلى الاقل تأليف الاخرين.
ومن منهجهم المنحرف ان ذلك التكفير للحاكم والمتحاكمين اليه ، يرتبون عليه احكام المشركين المحاربين ، بحيث يستحلون مال المخالفين ونساءهم، مع ان علي ض عندما قاتل الخوارج وهم على باضل لم يستحل نساءهم ، اما هم من تشددهم حتى الجنين في بطن امه يكفروه .
هذا الى جانب تكفيرهم للحاكم المعتدل المحكم للشريعة كلها الا مسالة خلافية ، خالفهم فيها وهو محق وحتى لو كانت محل خلاف واجتهاد فهم يكفرونه، مثال تكفيرهم لامير المؤمنين علي ض في مسالة الحكمين وما كان ض علمانيا ، فمن فعلوا ذلك من باب اولى في منهجهم المنحرف ان يكفر اسلافهم من هو دون الصحابة من الحكام المسلمين ، وكذلك يكفرون جميع المسلمين الذين تحت هذا الحاكم الذي كفروه في مسالة غير متفق عليها ولا اقامة حجة فالشعب عندهم كافر الا من اعتقد مثلهم.
لذلك نجد في كتبهم عبارات دار حرب او مجتمع جاهلية ، وهذا يعنون به كفر المجتمع ، وهذا اكثر ما يشيع عندهم اليوم، كما تتردد هذه العبارات كثيرا في تفسير سيد قطب (ظلال القرآن ) لذلك من هجروا المجتمع خرجوا بهذه القواعد المنحرفة التي تكفر مجتمع المصلين. وحتى بعضهم يكفر بعض عندما يخالفهم في فرع من عقيدتهم, بل احدهم احيانا كما يقول عند نقاشه بعد رجوعه يقول كان يكفر نفسه احيانا حتى يقول : اذا انا لماذا اصلي وانا كافر ، ثم يقول لنفسه من غير اقتناع ، اصلي لكني كافر حتى اجد لها حلا ، فهم مع تشددهم فانهم في شك شديد من منهجهم.
وهذا يجعلهم يتصرفون باشياء يلزمهم بها المعتقد المنحرف مثال تكفير امه وابيه ومنهم من قال لامه ابي حرام عليك ويجب ان تطلقيه لانه كافر.
وبعضهم لا يأكلون اللحم الذي ذبحه عامة المسلمين لانهم يرونه ذبيحة كافر ، بل منهم من يامر اولاده ويضربهم ان لا يصلون في المسجد لان الائمة عنده كفار حتى يحتار الاطفال المساكين ما هذا نريد الصلاة في المسجد فيمنعونا والناس يضربون اولادهم للصلاة في المسجد ، وللايجاز ما ذكر يكفي لبيان ضلالهم ، وانحرافهم في العقيدة
اما عن ما يفعلون من الاغتيالات والتفجيرات ويزعمون انها جهاد ، فانها جهل بالجهاد قبل غيره وانها اعمال اجرامية ولم يحدث من اهل الاعتدال مثلها الا ما يحدث من غلاة الفرقة الخارجة على المسلمين ، وهي في حكم الذين يسعون في الارض فسادا ، سواء كانت على المسلمين او غير المسلمين، ومصدرها من الحاقدين الذين ملأ الحسد قلوبهم فلم يجدوا ما يشفي غيظهم الا التنكيل بالاخرين ، فهم من الصنف المعقدين او عصابات المجرمين المأجورين من جهات تريد تصفية حسابات خاصة بها او دولة معادية لاخرى فتدعم الارهاب ضدها ثم يصبغ بالدين ليسوق برامجه الاجرامية ، واما الإسلام فقد امر بالين والاحسان حتى لغير المسلمين لاجل ترغيبهم ، بل امر بالبر والقسط اليهم قال تعالى : ( ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) ، ولم يكن معنى الجهاد او العقاب نيابة عن الشارع بل قال تعالى : ( انما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) ، وان الهدف الاساسي هو دعوتهم الى ربهم ، وقد خص الله اهل الكتاب بان نتلطف بهم عند المناقشة قال تعالى : ( ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن ) واما من دخل منهم بلاد المسلمين واخذ اذنا بذلك فهو في زمتهم والاعتداء عليهم هو مخالفة للاسلام وللحاكم المسلم فضلا ان يكون الاعتداء بالتفجيرات التي تصيب المسلمين وتروع الآمنين ، وعلى حكام المسلمين ملاحقتهم بحق الإسلام قبل غيره ثم دية مسلمة الى اهل القتيل. | |
|